الجمعة، دجنبر 22، 2006

قضية نيشان: الضحك الباسل والحماس الزايد

ترددت كثيرا في الكتابة عن قضية مجلة نيشان لأنني لا أحب الخوض في المواضيع الحماسية التي تلهب المشاعر ويرتفع ضغط الدم فيها كما أنني لست من عشاق مواضيع الإثارة، وبالتالي فأنا لا أقرأ نيشان ولا مثيلاتها ... لكن لما قرأت الإدراج الذي كتبه الأخ محمد احجيوج بعنوان " محاكمة مجلة أم محاكمة شعب؟" عقبت عليه و قلت "أعتقد أن هاته المجلة الحديثة النشأة كانت تنتظر بشغف وقوع دعاوى قضائية ومظاهرات وتهديدات وجدال في البرلمان لتصبح حديث كل لسان . والجهات التي بدأت الحملة ربما سقطت في الفخ الذي نصب لها..." ربما كان عندي حكم مسبق عن نية المجلة لكن هذه هي صحافة الإثارة.

هناك شئ آخر على الساحة السياسية في المغرب أوضحته هاته القضية، وهو الصراع الإيديولوجي العنيف بين اليمين الإسلامي واليسار العلماني، وهذا الصراع الذي بدأ في الجامعات المغربية خرج وللأسف إلى الشارع ولا يزيد إلا اشتعالا. وكما يعلم الطلبة جيدا فالأقلية من الطرفين هي التي كانت دائما تقرر مصير السنة الدراسية والمطالب التي كانت تتحقق هي تلك التي تدعو إلى السماح بالتثليت والتربيع للمناضلين وقلما تتحقق أية إنجازات تفيد الغالبية من االطلاب في تكوينهم. وفي الشارع السياسي الآن، كل طرف يترقب بالآخر فمثلا السنة الماضية كانت قضية التجديد مع التسونامي، واليوم يرد الطرف الآخر بعد تجاوز مجلة نيشان حدود المعقول. وهذا كله في رأيي المتواضع لن ينفع المغرب ولا شعبه الذي يطمع في أن يرى نخبه ترسم له غدا أفضل يقضى فيه عن الجهل والفقر بدل من الصراع الفارغ.

أما بالنسبة للتدين، فلا يمكن إخراج المغاربة عن دينهم بمجرد نشر نكت في مجلة، كما أنه لايمكن إدخالهم إلى المساجد بمجرد تنظيم مظاهرة... أرجو أن يتوقف اللعب بمشاعر المغاربة وبدينهم ويبدأ التفكير في مشاريع تنموية تنهض بالإنسان وليس بحواسه البدائية.

وبالمناسبة، فلقد كان رشيد نيني في رأيي أكثر اتزانا في عرضه للقضية، وإليكم بعضا مما جاء في عموده المعنون "الضحك الباسل" الذي كتبه قبل توقف مجلة نيشان:

إننا هنا لا نطالب بجرجرة المجلة ومديرها أمام القضاء، ولا ننادي بإصدار الفتاوي التكفيرية في حق صحافيي المجلة. شخصيا، أريد فقط أن نتفق كصحافيين على احترام مقدسات هذه الأمة. وشخصيا، المقدس الوحيد بالنسبة إلي في هذه الحياة هو الله وملائكته ورسله وكتابه المنزل. أما الباقي فلا أعتبره مقدسا...

والذي يتابع الخط التحريري الذي يدافع عنه الزميل بنشمسي في مجلة تيل كيل و نسختها العربية نيشان يفهم التوجه العام لهذه المؤسسة الإعلامية، وهو توجه مشروع ما دام صاحبه يؤمن به ويدافع عنه. وشخصيا أستطيع أن أفهم دفاع المجلة عن الشواد وعن حقهم في التعبير، وأفهم عن دفاعها عن تعاطي الحشيش وتحرير تجارته، وأفهم دفاعها المستميت عن العلمانية. كل هذا في أطار الإختلاف وحرية الرأي. لكنني شخصيا، وهذا رأي خاص، لا أستطيع أن أفهم سبب هذا التطاول والتهجم الشرس على الإسلام ومقدساته. لقد تحول هذا الهجوم المتكرر إلى مايشبه مصادرة لحق المغاربة في التدين وممارسة شعائرهم الدينية. فرضان في نظر المجلة شهر النفاق، والحج تجارة، وعيد الأضحى مناسبة لتلطيخ الشوارع بالدماء والأزبال. وإذا كنا نتفق مع ما تذهب إليه المجلة فيما يخص انتقادها لبعض الممارسات المرتبطة بتطبيق الشعائر، فإننا نستغرب كيف أنها تغفل عن انتقاد أصحاب الممارسات الخاطئة للدين وتهاجم الدين في عمقه، متناسية أن الخطأ في الممارسة وليس الشريعة في حد ذاتها.

نتمنى أن يطوى هذا الملف بأقل الأضرار الممكنة، فلسنا في حاجة إلى مسيرات جديدة ووقفات احتجاجية ضد المجلة وصحفييها، كما وقع بسبب الرسوم المسيئة للرسول في المجلة الدنماركية. وأول شئ يجب أن تحرص عليه وزارة الأوقاف هو توقيف أي تحريض ضد المجلة وصحفييها من فوق منابر المساجد، سواء بالتكفير أو بالإتهام بالردة. فهناك قانون في البلاد، وإذا اعتبر القانون أن المجلة مخطئة فحتما سيعتذر مديرها للقراء، وإذا اعتبر القانون أن المجلة كانت محقة في نشرها لذلك الملف، فالكلمة الأولى والأخيرة للقضاء.

تدوينات مرتبطة
المغرب كما يراه المُفرنسون
أرشيف مقالات رشيد نيني

ليست هناك تعليقات: